تجاوزت الفنانة الراحلة أسمهان حدود عصرها وإمكانات بيئتها الفنية، لتتفوق على مجايليها ومن سبقها وتلاها، بفضل موهبة غنائية استثنائية وجمال آسر، جعل منها أيقونة عربية مبكرة في فن الغناء والصورة.
غنّت أسمهان الأوبرا والتانغو والفالس والرومبا، وساهمت في عولمة الأغنية العربية عبر دمجها بأنماط غربية بأسلوب راقٍ، على نهج سيد درويش في تسخير الموسيقى العالمية لخدمة النص العربي، ما جعلها مثالًا حيًا على قدرة الفنان العربي في التحديث دون التفريط بالهوية.
“ليالي الأنس في فيينا”… بوابة العالمية لأسمهان
شكّلت أغنية “ليالي الأنس في فيينا” نقطة التحول في شهرة أسمهان الدولية، إذ تُعزف إلى اليوم في أبرز المهرجانات العالمية. وقد أُدرجت الأغنية ضمن فيلمها الثاني والأخير “غرام وانتقام” عام 1944، من ألحان شقيقها الموسيقار فريد الأطرش.
وبحسب تصريح سابق لرئيس بلدية فيينا، فإن هذه الأغنية رفعت نسبة السياحة العربية إلى المدينة بنسبة 40%، ما يُظهر التأثير الثقافي المباشر للفن على حركة الشعوب والاقتصادات.
“غرام وانتقام”… الفيلم الذي غيّر معايير السينما العربية
حقق فيلم “غرام وانتقام” نجاحًا غير مسبوق، إذ تجاوزت أرباحه 100,000 جنيه مصري، ما جعله الفيلم الأعلى إيرادًا والأكثر تكلفة إنتاجية في السينما العربية آنذاك. وكادت المصاريف الإنتاجية العالية أن تؤدي إلى إفلاس استوديو مصر، بعد رفض بعض الموظفين التوقيع على شيكات إضافية واضطرارهم للاستقالة.
تميز الفيلم بأسلوب إخراجي جديد في المنطقة، حيث طلب المخرج يوسف وهبي من أسمهان اعتماد الأسلوب التمثيلي الإيطالي، الذي يقوم على الانفعالات المصطنعة والإلقاء المسرحي، بعكس الأسلوب الأميركي البسيط الذي استخدمته في فيلمها الأول “انتصار الشباب” عام 1941.
اقرأ أيضاً: حفل انطلاق الوكالة السورية الجديدة وشركة X Art للانتاج الفني




عطر أسمهان… أول علامة تجارية تحمل اسم فنانة عربية
لم يقتصر تأثير أسمهان على الفن وحده، بل امتد إلى عالم الأناقة والجمال، إذ كانت أول فنانة عربية يُنتَج باسمها عطر تجاري، وذلك عام 1940، من خلال شركة عثمان بيك نوري، التي تأسست في “الموسكي ـ مصر” عام 1910.
اختارت أسمهان شخصيًا تركيبة العطر، وروّجت له ضمن مشهد من فيلمها الأول “انتصار الشباب”، ليصبح لاحقًا من أكثر العطور مبيعًا في مصر وبلاد الشام والخليج، ويُباع في أسواق سوريا ولبنان والعراق والسودان.
ورغم استخدامها لعطر أجنبي هو Dorsay في فيلمها الثاني عام 1944، إلا أن شركة “عثمان بيك نوري” استمرت في نشر إعلانات عطر أسمهان حتى عام 1950، أي ست سنوات بعد وفاتها، ما يعكس استمرارية تأثيرها الرمزي والتجاري.
ريادة مبكرة في تسويق الذات الفني
بهذه الخطوة الجريئة، سبقت أسمهان فنانات عصرها في فهم قيمة الاسم الفني كعلامة تجارية، واستثماره في منتج تجميلي راقٍ، في وقت لم يكن هذا النوع من التسويق مألوفًا، بل اعتُبر مخاطرة قد تسيء لصورة الفنان.
أما اليوم، فإن كثيرًا من الفنانات العربيات يتسابقن على إطلاق عطور ومجوهرات وأزياء بأسمائهن، في سياق تجاري صريح، يُعيد تسليط الضوء على أسبقية أسمهان التي جسدت المعادلة بين الفن والذوق والابتكار.
الباحث والموثق يوسف يوسف