الأحد, أكتوبر 26, 2025
الرئيسيةالرئيسةالدراما السورية على مفترق العقيدة والسياسة

الدراما السورية على مفترق العقيدة والسياسة

الدراما السورية على مفترق العقيدة والسياسة

في الوقت الذي تُعيد فيه سوريا تشكيل هويّتها السياسيّة والدينيّة بعد سنوات الحرب، تتّجه الأنظار إلى الدراما السورية، هذا الفنّ الذي نجا من الدمار، والرقابة، والتهميش، ليقدّم مرآة غير قابلة للكسر لمجتمع تتنازعه الذاكرة والتمزّق. لكن، ما مصير هذه المرآة إن باتت مهددة بالتشظّي مجدداً على يدّ سلطات تتجه إلى خطاب أكثر تشدداً دينيّاً وأحاديّة فكريّة؟

إلى أين تمضي الكاميرا حين تشتد الظلال؟

ازدهرت الدراما السوريّة سابقاً على الرغم من رقابة نظام الأسد الصارمة، حيث نجحت بالتحايل والرمز والذكاء، كما في أعمال مثل: التغريبة الفلسطينية، ضيعة ضايعة، بقعة ضوء، سلسلة مرايا … بالتأكيد تراجعت بفعل الحرب، والتشتت، والإنتاج المنقسم بين الداخل والخارج، لكنّها لم تمت، وكان من الإنتاج ما سمّي لاحقاً بـ”دراما سورية المنفى”، التي تعالج الوجع السوري من الخارج، مثل مسلسل: ابتسم أيّها الجنرال.

الآن مع صعود التيارات المتشددة أو السلطات ذات الخطاب الديني المحافظ هل سيستمر الإنتاج الدرامي كما نعرفه؟

لجم الأفكار …

حاولنا طرح السؤال على الفنّان ومدرب الممثلين أكثم حمادة، فأسرى لنا بالإجابة التالية: “ما يجري الآن في مجتمعنا مؤسف ومثير للشفقة، فالتطرّف بكلّ أشكاله يعني إيقاف العقل وحجب التفكير وإقصاء كلّ أشكال النقد. فعندما يجتمع التطرّف مع السلطة -وأعني بالسلطة هنا القوّة بالضرورة- ينتج عن ذلك دعم مشروع لكلّ ما يلجم الفكر ويمسخ العلماء ويضيّق الأفق. ووجود التطرّف ليس فقط كفكرة بل كقوّة على الأرض سيخلق إرهاباً لأصحاب العقول فيغرقون في صمتهم أو يهاجرون بعقولهم.

بينما يشرع السواد الأعظم بتفصيل حياته على قدّ التطرّف الحاكم، ويبدأ عصر من الغزل الصريح والتباري في كسب ودّ هذا الفكر المنحرف”.

الفنّان ومدرب الممثلين أكثم حمادة البعض يشرع بتفصيل حياته على قدّ التطرّف وازدهرت الدراما السوريّة سابقاً حيث ظهرت من رحم الحرب والانقسام

دراما إلى الأمام أم إلى الخلف …

حققت الدراما السورية خلال الحرب أعمال مثل: غداً نلتقي، الندم، الولادة من الخاصرة، دقيقة صمت، ضبوا الشناتي، الخربة … ظهرت من رحم الحرب والانقسام، وقدّمت نقداً اجتماعيّاً وسياسيّاً عميقاً، وكثير منها كُتب بمرارة التجربة، فهل سيكون مصير هذه الدراما حسناً وقادراً على تأدية المهام المطلوبة من الدراما؟ أم أن لونها سيتغيّر وستذهب باتجاهاتٍ لا نتوقعها؟ وبرأي الفنّان أكثم حمادة إضافة جديدة: “نعم الدراما الآن في مأزق وأمام طُرق شتّى. أن تؤدّي دورها الاجتماعي والإنساني الذي عُرفت فيه في بلدنا وأن تكون فاعلاً في دعم الإنسان وتوسيع آفاقه والتأكيد على كرامته وقيمه الإنسانيّة، أو أن تناقض جوهرها وسبب وجودها وتبدأ هي الأخرى بقرض قصائد الغزل والتغنّي في فكر مشوّه مريض منحرف متطرّف مقابل الإبقاء على عجلة الإنتاج الفنّي تدور ولا يهم إذا دارت للخلف”.

إنتاجات دراما الظلّ …

قد تظهر أعمال “شبه دينية” في مناخات الإنتاج الفنّي في ظلّ التشدد الدّيني، لكنّها لن تكون كافية بكلّ تأكيد لأنها ذات بعد واحد سيبتعد عنها الجمهور بعد قليل، لكن بالمقابل هناك تجارب حملت إشارات ذكيّة ومعارضة مبطّنة (كما حدث في إيران مثلاً، حيث لجأ الفنّ إلى الرمز والأسطورة)، وحول فكرة الدراما الحرّة وإنتاجات دراما الظلّ أضاف مدرب الممثلين أكثم حمادة: “بخصوص دراما حرّة وحقيقيّة خلف الحدود فاعتقد أنّ الأمر ممكن وبقوّة فيما يخصّ السينما المستقلة التي حافظت على شخصيّتها الحرّة واستقلاليّة رأيّها ووضوح مقصدها، وهناك أمثلة كثيرة في العالم.

أمّا بخصوص أن تبقى الدراما السوريّة جزء من الدراما العربيّة، فهذا منوط بقدرتها على التأثير أوّلاً وإنتاج نجوم ونجمات جدد يحملون لواء هذه الدراما ثانياً والنهر لن يجري يا صديقي إذا جفّت الينابيع”.

الدكتور والناقد الفني جمال فياض احتمال إنتاج دراما ظلّ أصبح ضعيفاً لإن صناعة الدراما السورية ستتعزز وقد لا تحمل هامشاً دينياً على الرغم من كونها علىمفترق العقيدة والسياسة

لحظة فارقة تتجه إليها الدراما السوريّة …

في ظلّ سياق سياسي يتّجه باتجاه خيارات دينيّة متشددة هل أصبحت الدراما السوريّة أمام لحظة فارقة؟ سؤال يتجدد عن الواقع السوري والدراما السوريّة التي لطالما عاشت في مفارقة مذهلة، قد تثبت نفسها وتترك أثراً تتناقله الأجيال وقد نجدها في مستوىً آخر لم نألفه سابقاً، لكن الدكتور جمال فياض المختص في النقد الفنّي لديه تقديراتٍ ورؤية مختلفة: “عندما بدأ الوضع بالتغيير في سوريا أصبح لدى الجميع انطباع واضح عن وضع ديني متشدد متطرّف، فلا حرّيّات، ولا دراما، ولا تلفزيون، ولا حفلات غنائيّة، وأدركنا أننا في مطرح آخر عن المعتاد، ولكن بحسب المعطيات التي أملكها شخصيّاً أرى أن الأمور غير ذلك، وبحسب هذه المعلومات هناك مدينة إعلاميّة كبيرة جدّاً جرى الاتفاق عليها، وتمّ توقيع العقود في سوريا، بكلفة مادّيّة تفوق المليار دولار أمريكي، فيها من المستثمرين الخليجيين عدد كبير، ومع وجود هذه المدينة وبموافقة الرئيس أحمد الشرع ومتابعته الشخصيّة ورعايته، كلّ ذلك يعني ويشير إلى أننا لا نتجه نحو خيارات دينيّة متشددة بل نحو خيارات تعزيز للدراما السوريّة أكثر مما كانت من قبل، فإذا كنّا سابقاً نتحدّث عن مدينة إعلاميّة صغيرة مثل مدينة الفيصل والمدن التي صوّر فيها عدد كبير من المسلسلات المعروفة، فنحن اليوم نتحدّث عن مدينة فيها مجموعة مدن، قسم منها للصنف التاريخي وآخر للاجتماعي وأيضاً لكلّ الأصناف، إذاً هناك مشروع كبير برصيد مالي كبير يجعلنا نقول بأننا: مقبلين على حالة ازدهار استثنائي للدراما السوريّة إذا صحّت هذه الأخبار”.

ستنقلب الآية …

اشتّدت الظلال غير مرّة، فدارت كاميرا الدراما السوريّة ليخلق لدينا دراما الظلّ في المنافي، ففي مثل هكذا مُناخ تكثر السيناريوهات المحتملة، وقد يتعرّض الكتّاب للملاحقة أو الرقابة الصارمة، وهجرة الفنّانين ربّما تزداد مع مرور الوقت، وقد يكون وجود الفنّان السوري وحضوره أكبر في الدراما المشتركة، وعن هذه النقطة كان للدكتور جمال فياض رأيه: “احتمال إنتاج دراما الظلّ في المنافي أصبح احتمالاً ضعيفاً، ستنقلب الآية عمّا كانت عليه فإذا كانت المعادلة وجود فنّانين خارج سوريا بسبب معارضتهم واشتغلوا بالدراما المنفى أو المشتركة ومنعتهم ظروفهم من العمل في الدراما المحلّيّة في سوريا؛ الآن ستنعكس الآية قليلاً، فحتّى الذين كانوا موالين للنظام السابق قد عادوا إلى سوريا مثل: باسم ياخور وغيره، وهذا سيلم شمل الفنّانين السوريين، ويعيد الازدهار للإنتاج مع العلم أنّ الدراما المشتركة ودراما الظلّ لن تتوقف بل سيكون هناك فنّانين بحاجة للمشاركة بأعمال خارج سورية فهي عمل، وأيضاً الدراما اللبنانيّة تحتاج للممثل السوري بشكل أو بآخر، والمنتج اللبناني يطلب ممثلين سوريين وهذه البوابة (بوابة الدراما المشتركة) هي ليست وليدة الأزمة بل كان لها بدايات منذ ستينات القرن الماضي، مسلسلات دراميّة، وأفلام سينمائيّة، والأمثلة كثيرة على ذلك.

إذاً حاليّاً هذه الصناعة ستتعزز، خصوصاً إذا وجدت دعماً لها من نقابة الفنّانين السوريّة، وغرفة صناعة السينما، ووزارة الثقافة، وكلّ النظام السوري، مما يجعل من هذه الدراما تتطوّر، وتكبر، وسيُعاد اكتشاف نجوم جدد من سوريا، وهذا ما يجعلنا نتفاءل والقادم إيجابي للدراما السوريّة”.

نسج رؤية مستقبليّة للفنّ السوري …

قد تُمنع الكاميرا من التصوير، وقد يُقصى الممثّل، ويُنفى الكاتب، لكن الفنّ لا ينتهي. بل يعود بألف قناع، وبصوت أعمق، وألم أصدق، فهل نشهد ولادة دراما ظلّ جديدة في سوريا؟ أم جنيناً مشوّهاً في رحم السلطة؟ أم قفزة نوعيّة في الإنتاج الدرامي على المستوى العربي وجزءاً من خارطة الإنتاج العربي؟ أو ستكون هامشاً دينيّاً محدوداً محليّاً؟

الأسئلة مفتوحة، والإجابات تنتظر التاريخ.

عامر فؤاد عامر

جدل نيوز

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات