عانى فريد الأطرش طوال حياته من انعكاس الأحداث السياسيّة المضطربة في المنطقة العربيّة والعالميّة، وانعكس ذلك على حياته الشخصيّة والفنّيّة منذ أن تسببت ثورة الدروز على الفرنسيين بهجرة فريد وأسمهان وفؤاد مع والدتهم إلى مصر في العام 1923، ثمّ دخول فريد وأسمهان ووالدتهما عالم الفنّ في أوّل العقد الثالث من القرن الماضي لإيجاد مصدر للعيش، ثمّ وفاة شقيقته وتوأم روحه أسمهان العام 1944، لأسباب سياسيّة أيضاً، كما عانى من أمور كثيرة خلال إقامته في مصر لأسباب سياسيّة منذ عهد الملك فاروق، وفي عهد جمال عبر الناصر مروراً بالكثير من الأحداث المؤلمة إلى أن فارق هذه الدنيا العام 1974، ولكن أثر تلك الحروب على فريد وأسمهان ظلّ يلاحقهما حتّى الآن .
من أبرز الأحداث السياسيّة التي انعكست على مسيرة فريد الأطرش كانت في العام 1939، عندما طلبت إذاعة BBC البريطانيّة منه تسجيل بعض أغنياته لها، فقام الموسيقار بتلبية الدعوة في شهر أغسطس، واتجه إلى لندن فقدّم قصيدة (أضنيتني بالهجر) من كلمات “الأخطل الصغير” وطقطوقة (أعمل ايه علشان أنساك) من كلمات “يوسف بدروس”، وابتدأ فريد مقطوعاته بمقدّمة من تقاسيم عوده، وبعض المواويل، وكانت رحلة فنّيّة مهمّة جدّاً في مسيرة الموسيقار، ولكن إذاعة BBC اشترطت احتكار التسجيلات لمدّة ربع قرن، ولهذا السبب لم يسجل الموسيقار هاتين الأغنيتين على أسطوانات طوال مدّة الاحتكار، لكنه أعاد غناء وتوزيع قصيدة (أضنيتني بالهجر) في فيلم (الخروج من الجنة) العام 1967 .

عند انتهاء رحلة الموسيقار الفنّيّة في لندن، واقتراب موعد عودته إلى مصر بدأت الحرب العالميّة الثانية، في أوّل ديسمبر العام 1939، وتمّ إلغاء جميع رحلات الطيران فوق أوروبا، فاضطر فريد للعودة على سفينة متجهة إلى مصر، وفي العام التالي أحبّ فريد أن تغني أسمهان أغنية (أعمل ايه علشان أنساك) في حفلة لها في القاهرة، في شهر يونيو 1940، وبثّت الإذاعة المصريّة ذلك الحفل، فنشرت مجلّة (الراديو المصري) بتاريخ 12 يونيو 1940 مقالاً نصّه: أحيت المطربة أسمهان حفلة غنائيّة، غنّت فيها طقطوقة (أعمل ايه علشان أنساك) من كلمات يوسف بدروس ولحن فريد الأطرش، وأدّت أغاني أخرى منها قصيدتان طويلتان سجلتهما لحساب الإذاعة البريطانيّة الأولى، نظم أحمد شوقي وألحان القصبجي، ومطلعها (هل تيم البان فؤاد الحمام)، والثانية قصيدة (حديث عينين) نظم محمد فتحي وتلحين السنباطي .
أمّا أغنية (الأمل) التي قدّمتها أم كلثوم في العام 1946، قام الملحن زكريا أحمد باقتباس مقدّمة (الأمل) من لحن (أعمل ايه علشان أنساك) التي لحنها وغناها فريد الأطرش ثمّ شقيقته أسمهان .
من المؤسف أنّ أسمهان قدّمت الأغنية في حفل بثّته الإذاعة، ولم تسجله على أسطوانات بسبب حقوق نشر اللحن التي احتكرته إذاعة BBC، ونأسف أيضاً أنّ الإذاعة المصريّة أخفت الكثير من الكنوز الفنّيّة المتعلّقة بفريد وأسمهان عسى أن نعثر على بعضها يوماً .
الباحث والموثق يوسف يوسف