ماذا بعد قتال اثنين؟
“عندما نفرض آرائنا بالقوّة ونستقصي لغة الحوار فنحن نعلّم أبنائنا الإرهاب من دون أن ندري” لسنا بعيدين كثيراً عن
هذا الكلام المدوّن في إجابات صرّح بها الكاتب والسيناريست المصري وحيد حامد؛ عندما سُئل عن الإرهاب ومتى
سينتهي!
نعم لغة الحوار؛ هي اللغة التي يجتمع عليها أهل الحكمة والعقل والشورى، بل تنتفي مع لغة الاستقصاء التي لا
تقبل الآخر، وتذهب بنا إلى شرعنة الرأي الواحد، وعدم قبول الطرف الآخر قبل سماع رأيه.
وحيد حامد الذي كتب سيناريوهات عشرات الأعمال بين سينما، وتلفزيون، وإذاعة، ومسرح، وكان قاصّاً مثقفاً من
حيث انتقاءه المواضيع، وناقداً في الفكرة المطروحة لمجتمع تتصارع أطرافه، ومصر نموذجاً لكلّ ذلك، ومن منّا لم
يتابع الفيلم الشهير “طيور الظلام”، وفيه تلك المحاكاة التي يَصعُب علينا فهمها كسوريين سابقاً، لكن يَسهُل
استذكارها اليوم، وهو من إخراج شريف عرفة، وبطولة عادل إمام، ويسرا، وجميل راتب، وغيرهم من الفنّانين الأبطال،
حيث تناقش حكاية الفيلم جولة الجماعات المتطرّفة دينيّاً في الوصول إلى سدّة الحكم، والسيطرة على الناس
المسكينة، والصدامات المتوالية بين شرائح المجتمع، وعلى رأسها الين المتطرّف، في متلازمة واضحة بين الفساد
السياسي والتطرّف الديني ليصبّ كلّ ذلك في خدمة الإرهاب.
![فيلم طيور الظلام للسيناريست وحيد حامد وبطولة عادل إمام ويسرا عن الإرهاب والفساد السياسي والتطرف الديني](https://jadal.news/wp-content/uploads/2025/01/فيلم-طيور-الظلام-عادل-إمام.jpg)
تكثر وجوه الإرهاب في حياتنا، لا سيّما عندما يستأثر الصنم على الحكم، فيعمد على التجهيل والاتجاه نحو تعمية
الشعب عن الحقيقة والتاريخ، فيسهل الاستبداد بهم، وهنا لا بدّ من استذكار واحد من أهمّ رموز التنوير في بلادنا،
أحد روّاد النهضة العربيّة ومفكريها (عبد الرحمن الكواكبي) في كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) حيث
ذكر فيه بأنّ: “الاستبداد السياسي والاستبداد الديني لا ينفصلان عن بعضهما البعض، فمتى وجد أحدهما في أمّةٍ
جرّ إليه الآخر”.
تذهب بنا الذاكرة بالضرورة لفيلم (تراب الغرباء) الذي يتحدّث عن سيرة حياة عبد الرحمن الكواكبي، جسّدها الفنّان
بسام كوسا بكلّ دقة وتوجيه تحت قيادة المخرج السينمائي المعروف سمير ذكرى، فرصدت لنا الصورة السينمائيّة
حياة ذلك المفكر العربي الذي كافح، وقاوم الظلم، وكان شجاعاً في مناهضته لغطرسة الحاكم وسيطرته، وترك
نضاله أثراً ما زلنا إلى يومنا هذا نضرب به المثل، ونُذكّر به الأجيال، ونقول بأنّ كتاباته المبسّطة عبر مؤلّفه
المعروف يروي حالنا ويتشابه معه كثيراً.
![فيلم تراب الغرباء للمخرج سمير ذكرى وبطولة بسام كوسا عن عبد الرحمن الكواكبي وكتاب طبائع الاستبداد](https://jadal.news/wp-content/uploads/2025/01/فيلم-تراب-الغرباء-بسام-كوسا.jpg)
ماذا بعد قتال اثنين؟
وما الذي سنجنيه بعد مناصبة العدائيّة لبعضنا البعض، ألا تدعو إلا لمثلها؟ وما الذي نجنيه من زرع الإرهاب والفتنة
والتجاهل والتجهيل؟ هل شهدنا يوماً من زارع القطرب أنه أنتج قمحاً؟! فلماذا كلّ هذه الجرعات المرّة التي نطعّم
بها يوميّاتنا يا ترى؟ وما الذي سنجنيه معاً في الختام؟!
![فيروز تغني كل صباح ماذا بعد قتال اثنين جبارين من كلمات جبران خليل جبران](https://jadal.news/wp-content/uploads/2025/01/فيروز-جبران-خليل-جبران.jpg)
هذه فيروز الفرح تنطقها عبر صباحاتنا، وتقولها لكلّ من يسمع ولكلّ من يرى، بدعوة جبران الراقيّة والخاصّة بهذه
الأرض التي ينتمي إليها:
“الأرض لكم،
فالأرض تبتهج بملامسة أقدامكم العارية
والأرض لكم،
وشعوركم مسترسلة تتوق إليها الريح
والأرض لكم،
وأنتم الطريق
فانهضوا من قيدكم عراة أقوياء
والأرض لكم،
قدّسوا الحريّة
حتّى لا يحكمكم طغاة الأرض
كلكم تقفون معاً أمام وجه الشمس
ماذا بعد قتال اثنين جبارين؟
رمادٌ…
دماءٌ…
رمادٌ حيث الحصّادون
دماءٌ حيث الفلاحون
وحيث مكان لحبيبين، تلقى بقايا جنديين
لماذا؟
لماذا والأرض لكم؟
الأرض لنا؟
الأرض لكم…
الأرض لنا، وأنت أخي، لماذا إذاً تخاصمني؟
أنا لا أسمع، وأنت لا ترى
وبنا شوقٌ ليدرك بعضنا الآخر
فهذي يدي، هاتِ يدك
هاتِ يدك”.