ماري جبران أيقونة سورية ومطربة بلاد الشام من بيروت إلى القدس ثم دمشق
كان لقبها “سيدة مطربات بلاد الشام” ، وتم انتخابها كأول نقيبه للفنانين في سوريا عام 1950 في عهد الرئيس الأتاسي ، اسمها الحقيقي ماري يوسف جبور ، ولدت في بيروت 1907 ثم أخذ الوالد عائلته الى دمشق هرباً من المجاعة في بيروت وتوفي في دمشق بعد فتره وجيزة وكانت لوالدة ماري اخت شهيرة تعمل ممثله في فلسطين واسمها (ماري جبران) فقررت الأم السفر الى هناك للعيش مع شقيقتها وأخذت معها طفلتها ماري ، فاكتشفت الخالة ان ابنة اختها تمتلك صوت جميل وبدأت ماري الصغيرة تغني مع خالتها في مسارح حيفا ويافا والقدس فاعترضت عائلة والدها على عملها في الفن فاستخدمت اسم خالتها وهو ماري جبران .

شهرتها أثارت غيرة خالتها فعادت إلى دمشق!
بدأت ماري تشتهر في فلسطين بمساعدة ودعم من خالتها وبدأوا يلقبونها ( ماري الصغيرة ) ليميزوها عن خالتها ،
غنت ماري الموشحات والأدوار ببراعه واقتدار وتعلمت العزف على العود ، وفي عام 1919 شاهدها الفنان المسرحي المصري “علي الكسار” الذي كان حينها يقدم عروض مسرحيه في فلسطين فعرض عليها أن تلتحق بفرقته فبدأت شهرتها السريعة تثير غيرة خالتها ما أشعل الخلافات بينهما والتنافس فقررت ماري الصغيرة العودة إلى دمشق وكان أول مكان غنت فيه هو (ملهى قصر البلور) في باب توما على ضفه نهر بردى وسرعان ما نشبت الثوره السوريه الكبرى ضد الفرنسيين 1925
توقفت النشاطات الفنيه ثم اتجهت ماري الى بيروت وبدأت تغني في (ملهى كوكب الشرق) هناك سمعها الملحن زكريا أحمد عام 1927 كما ذكر في مذكراته وكان معه رياض السنباطي و أُعجبا بصوتها بشدة ثم عادت الى دمشق وغنت في (كازينو مسمار) ثم اتجهت الى حلب وغنت في (كازينو الشهبندر) ثم عادت إلى دمشق وفي مطلع الثلاثينيات زارت الفنانة المصرية ذات الأصول الشامية “بديعة مصابني” دمشق وفي إحدى السهرات سمعت صوت ماري وعرضت عليها العمل في الكازينو الخاص بها في مصر (كازينو بديعة مصابني) الذي عمل به فريد الأطرش و أسمهان عام 1930 بسبب ضيق حالهم بعد هروبهم مع والدتهم من سوريا بسبب تهديدهم بالقتل لكونهم أحفاد سلطان باشا الأطرش .

عقد احتكار مع بديعة مصابني بداية نهايتها في مصر !
وصلت ماري إلى مصر حيث الغناء و السينما و الحفلات وهناك كان كبار الملحنين والشعراء والمنتجين ، وقّعت ماري في مطلع الثلاثينيات عقد عمل في كازينو بديعة مصابني لمدة عام سلفاً ، ونالت الحفلات إقبالاً كبيراً من شدة إعجاب الحضور بصوتها وصورتها وبدأوا يلقبونها في مصر (ماري الجميلة) ، وفي احدى حفلاتها في كازينو بديعة سمعها “القصبجي” و”داوود حسني ” ، وسمعها “زكريا أحمد” مجدداً ، وغنت من ألحانهم أهم الأغنيات وأصبحت في الصفوف الفنيه الأولى في مصر ، ما أثار غيرة بديعة وبدأت الخلافات إلى ما لا حل له ، يقول الناقد “صميم الشريف” في كتابه (الموسيقى في سوريا تاريخ وأعلام) :
فجأة دب الخلاف بين ماري و بديعة فتركت مسرحها آملة في العمل بمسارح أُخرى لكنها لم تستطع في البداية بسبب سيطرة بديعة مصابني القويه على ملاهي القاهرة ويبدو أن بديعة اختلفت معها بسبب الأجر ، وقيل أنه بسبب رفضها مجالسة رواد الملهى وقيل أيضا أن بديعه اعتقدت ان ماري جبران التي أثارت العقول بجمالها وسحرها وغنائها أخذت تزاحمها في أمر لا تحب أن يزاحمها فيه أحد .
استأجرت ماري بعد أن تركت كازينو بديعة صالة لتديرها بنفسها في مصر بميدان المحطة في عام ١٩٣١

عادت من مصر تحمل أعمالها الخالدة !
عانت ماري لتجد مكاناً تغني فيه بعد أن تركت كازينو بديعة ، وعادت بعد جهد طويل لتثبت نفسها من جديد فزرعت مجدها في مصر بصعوبه ومشقة ، وكان من حظ ماري ذهابها إلى مصر كي تحظى بألحان أهم موسيقيين العرب ( داوود حسني والقصبجي وزكريا احمد والسنباطي ) ، وبعد مدة وجيزة قضتها في مصر لم تتجاوز السبع سنوات عادت إلى دمشق وعاشت فصول مجدها الأخير في سوريا عام 1938 ووقّعت عقد مع (ملهى العباسية) في منطقه فيكتوريا بدمشق مقابل 150 ليره ذهبية في الشهر !
وكان مبلغ عالي جداً وسرعان ما انتشر صيتها في أنحاء سوريا حتى أصبحت ماري جبران أيقونة سورية مطربة بلاد الشام الأولى، وتعاملت مع ملحنين سوريين لتقدم الأغنيه السوريه مثل (نجيب السراج ومحمد محسن ورفيق شكري وزكي محمد) ويتجسد اهتمامها بالتاريخ السوري عبر (قصيدة زنوبيا) من ألحان “زكي محمد”.
وفي حوار مع “حليم الرومي” قال عن ماري جبران : إنها فنانة بلغت حد المعجزة..!
ومن الأغاني التي لحنها لها : (قابلتو من غير ميعاد) .
كان من أهم ما غنت ماري : قصيدة «دمشق» في الإذاعة السورية عام 1948 حيث كانت أول قصيدة قومية نظمت احتفالاً بضيوف سوريا السياسيين الذين اجتمعوا في دمشق بعد تقسيم فلسطين. وقد أحدث غناء ماري جبران للقصيدة، يومذاك ، ضجة كبيرة .

ماري جبران أول نقيبة فنانين في سوريا !
احتراما لموهبتها القديرة و لاهتمامها بالتعامل مع الملحنين السوريين تم انتخابها من موسيقيين سوريا نقيبة لهم عام 1950 و عملت على تكثيف احتضان إذاعة دمشق للموسيقيين السوريين ، وكان يلقبها عازف الكمان السوري الشهير سامي الشوا بـ «أم كلثوم الشام» .
عانت في أواخر حياتها من مرض والدتها مما انعكس على عملها وعلاقاتها، تزوجت من “انقولا الترك” الذي عشقها سنوات طويله ورزقت منه بمولود واحد.

نال منها السرطان والفقر والوحدة وجنازة لا تليق بها !
أصيبت ماري جبران ( أيقونة سورية ) بمرض السرطان وتوقفت عن الغناء فعانت من الفقر و الوحدة ، وكان من الناس القلائل المخلصين لها في سنوات مرضها وفقرها الملحن والمطرب السوري “نجيب السراج” حتى توفيت عام 1956 ولم يخرج في جنازتها سوى قله من الزملاء والاقارب .

أرشيف مفقود و نسيان وتهميش !
لا يوجد اي اثبات لإجراءها أي حوار صحفي او إذاعي ، ولم تسجل سيدة مطربات بلاد الشام أغلب اغنياتها ، وبعد وفاتها كانت تذاع اغنياتها في الاذاعات السورية بشكل قليل ثم أصبح ذِكرها نادراً ، واليوم لا يعرف أحد من تكون ماري جبران ولا يأتِ الإعلام السوري على ذكرها !
من أرشيف الباحث يوسف يوسف