الأحد, أكتوبر 26, 2025
الرئيسيةالرئيسةعثمان حناوي: ذاكرة الطرب في زمن الأغنية الهابطة

عثمان حناوي: ذاكرة الطرب في زمن الأغنية الهابطة

عثمان حناوي: ذاكرة الطرب في زمن الأغنية الهابطة … تفقد الساحة الفنّية العربيّة برحيل الباحث الموسيقي عثمان الحناوي، واحداً من أنبل عشّاقها، وأصدق حرّاس ذاكرتها الطربيّة. رجل حمل على كتفيه ذاكرة الغناء العربي الأصيل، ووقف عمراً كاملاً في وجه النسيان، مجاهداً بالكلمة والوثيقة والصوت ضدّ الزيف والسطحيّة وضجيج الأغنية الهابطة كما كان يسميها.

لم يكن عثمان الحناوي باحثًا فقط، بل عاشقًا للّحن الجميل، وحارساً لتراثٍ لم يكن يريد له أن يُمحى. التقى كبار الملحنين والمطربين والكتّاب في رحلة طويلة جمع فيها ما يزيد على ألفي ساعة من التسجيلات النادرة — من عبد الوهاب وفريد الأطرش إلى السنباطي وبليغ حمدي، ومنيرة المهدية إلى أم كلثوم وميادة الحناوي — ليبني من خلالها مكتبة موسيقيّة تعدّ من أغنى ما وُجد في العالم العربي.

عثمان الحناوي مع شقيقته ميادةوهو اسم جمع ما يزيد على ألفي ساعة من التسجيلات النادرة التقى عبد الوهاب وسيد مكاوي وقدم برنامج نثرات من ذهب الزمان مع هيام حموي

الباحث الذي لم يتعب من الحلم

نجد في أحاديثه وحواراته صدق المتألّم على زمنٍ لم يعد يُنصف الأصوات الحقيقيّة، زمنٍ صارت فيه الشهرة تُشترى، والصوت يُستبدل بالمظهر. قالها بمرارة المثقف الغيور:

“في الماضي لم يجرؤ أحد على دخول المعترك الفنّي وفي صوته شائبة، بينما اليوم نجد الساحة مليئة بالأصوات المشوّهة، والإعلام يقدّمهم ويروّج لهم”.

كان يؤمن أنّ الفنّ ليس زينة اجتماعيّة، بل هويّة وثقافة وأخلاق. لذلك أسّس في السنوات الأخيرة برنامجه الإذاعي الشهير “نثرات من ذهب الزمان” على راديو شام إف إم، مع الإعلاميّة القديرة هيام حموي، ليعيد إلى الأثير أصوات الكبار وموسيقاهم النادرة.

قال عنه يوماً: “الفكرة جاءت لتعريف الجيل الجديد بالزمن الجميل، بمطربيه وأصواته، بأولئك الذين كتبوا أسماءهم بالذهب في سجل الغناء.”

وبالفعل، صار البرنامج جسراً بين أجيالٍ متباعدة، يسمعه الشبّان كما الشيوخ، بحثاً عن الدفء الفنّي المفقود في زمن السرعة والتكرار.

رفيق الدرب وأمين الذاكرة

رافق عثمان شقيقته المطربة ميادة الحناوي منذ بداياتها، وكان شاهداً على مسيرتها الحافلة مع أعلام التلحين العربي من السنباطي إلى بليغ حمدي وسيّد مكاوي ومحمد سلطان. كان يرى فيها صوتاً ينتمي لمدرسة الفنّ العريق، ويقول عنها بحبّ وصدق: “ميادة وأمثالها ابتعدوا عن الساحة للمحافظة على التاريخ الفنّي العريق، فالفنّ اليوم هو فنّ القشور والموديل”.

كان صوته النقدي صريحاً، لا يساوم على القيمة ولا على الذائقة. آمن أنّ الإعلام مسؤول عن تهميش الكبار، وأن دور الفنّ لا يكتمل من دون الاعتراف بأصحاب الكلمة واللحن، لا بالمؤدّين فقط. دعا إلى إعادة الاعتبار للمبدعين الحقيقيين، وإلى توجيه شركات الإنتاج لتبنّي الفنّ الراقي بدل المتاجرة بالسطحيّة.

وداع الباحث النبيل

برحيل عثمان الحناوي، نودّع ذاكرة موسيقيّة تمشي على قدمين، وعيناً كانت ترى في الأغنية العربيّة مرآة الأمّة وثقافتها. عاش باحثاً لا يهدأ، جمع التراث بجهده الشخصي، ووضع أمام الأجيال كنوزاً لو لم يسعَ وراءها لضاعت في زوايا النسيان.

كان صوته الإذاعي الهادئ في نثرات من ذهب الزمان بمثابة دعوة للتأمّل والحبّ — حبّ اللحن، الكلمة، الصوت، والإنسان.

سلامٌ على عثمان الحناوي، الرجل الذي آمن أنّ الفنّ لا يموت ما دام هناك من يحفظه في القلب وفي الذاكرة.

سلامٌ على الباحث الذي علّمنا أنّ الطرب ليس ماضٍ يُبكى عليه، بل حاضرٌ يُعاد إليه الاعتبار.

ولتبقَ نثراته من ذهب الزمان صدى ممتدّاً في أثيرٍ لا يزول.

الباحث الموسيقي عثمان الحناوي برفقة الصحفي عامر فؤاد عامر في حوار سابق عن شقيقته الفنانة ميادة الحناوي وذاكرة موسيقيّة للفنّ والأسماء الكبيرة

عامر فؤاد عامر

جدل نيوز

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات