الجمعة, ديسمبر 12, 2025
الرئيسيةالرئيسةأسمهان… أميرةٌ وُلدت في البحر وظلّ قلبها معلّقاً بالجبل

أسمهان… أميرةٌ وُلدت في البحر وظلّ قلبها معلّقاً بالجبل

أسمهان… أميرةٌ وُلدت في البحر وظلّ قلبها معلّقاً بالجبل

في ذكرى ميلادها السابعة بعد المئة، تعود أسمهان – آمال فهد الأطرش – إلى الواجهة ليس كصوتٍ أسطوري وحسب، بل كوجه إنساني ارتبط في الوجدان العربي بالجبل،

بالكرامة، وبالقدرة على العطاء رغم العواصف التي عصفت بحياتها القصيرة.

وُلدت أسمهان في عرض البحر أثناء رحلة عائلتها من الأناضول إلى بيروت، في واحدة من أكثر البدايات غرابة في تاريخ الفن. لم تحتضنها أرض عند ولادتها، بل الماء، وكأن

صوتها الذي سيأتي لاحقاً كان مقدّراً له أن يحمل شيئاً من انسياب البحر وهديره، ومن قلقه واتساعه في آن واحد.

من البحر إلى الجبل… ومن الصوت إلى الرسالة

على الرغم من أن ولادتها لم تكن في جبل العرب، فإن جذورها كانت ضاربة في ترابه عبر عائلتها، عائلة الأطرش، التي حملت إرثاً نضاليّاً واجتماعيّاً كبيراً في تاريخ سوريا

الحديث. وفي الذاكرة الشعبيّة لأهالي السويداء وقرى الجبل، بقي اسم أسمهان مرتبطاً ليس فقط بأغانيها، بل أيضاً بما نُقل عنها من مبادرات إنسانيّة قامت بها خلال الفترات

التي عاشت فيها في قرية عرَى، حيث أقامت بعد زواجها من الأمير حسن الأطرش.

تتداول روايات محلّيّة أنّ أسمهان كانت سنداً لعدد من العائلات الفقيرة، وأنها ساهمت في دعم مشاريع تخدم سكان المنطقة، من بينها مساعدات متعلّقة بالمياه والمواد

الأساسيّة في سنوات الشدّة والمجاعة. وبينما قد تختلف تفاصيل تلك الروايات، إلا أن حضورها كـ أميرة قريبة من الناس ظلّ ثابتاً في الذاكرة الجمعيّة، وفي سرديات كبار السنّ

ممن عاصروها أو سمعوا عنها.

صوتٌ من نوعٍ لا يُعاد

لم تكن أسمهان مجرّد مغنية ذات طبقات صوتيّة نادرة؛ كانت حالة فنّيّة لا تتكرر. غنّت وكأنّها تعرف أنّ الوقت ليس طويلاً، وأنّ العمر لن يمنحها فرصة ثانية. حمل صوتُها مزيجاً

من رقّة الأنثى، وجرأة الأميرة، وشجن امرأة تعبّر العمر بخطواتٍ مسرعة، واثقة من أنّ الفنّ وحده قادر على أن يُخلّدها.

وحين رحلت مبكراً، بقي فنّها كما لو أنّه يرفض الفناء، يصرّ على أن يذكّرنا بأنّ الأصوات الكبرى لا تموت، وأن الأثر الذي يتركه الفنّ الجميل أقوى من الغياب.

أسمهان واللحظة الراهنة … حين يصبح استحضار الكبار ضرورة

اليوم، وفي ظلّ ما يعيشه أهل السويداء من ضيق أمني واقتصادي، وفي ظلّ نقص الطحين والخدمات الأساسيّة، يعود الحديث عن أسمهان ليحمل معنىً آخر.

معنى يذكّر بأنّ هذا الجبل، الذي أنجب رجالاً ونساءً من طينة صلبة، واجه عبر تاريخه ظروفاً قاسية لكنّه لم ينكسر.

ويذكّر أيضاً بأنّ الرموز ليست مجرّد أسماء من الماضي، بل شعلات نور يستأنس بها الناس في العتمة.

لقد كانت أسمهان، رغم كلّ تعقيدات حياتها، قريبة من الناس. رأت وجعهم، وشعرت بمسؤوليّة انتمائها، حتّى وهي تعيش بين الفنّ والقصر والمنفى والعودة. وربّما لهذا السبب

بقيت صورتها حاضرة في وجدان أهل الجبل، ليس كصوت فقط، بل كقلب.

ختاماً… صوتٌ للذاكرة وللمستقبل

في ذكرى ميلادها السابعة بعد المئة، لا نحتفي بأسمهان كفنّانة فقط، بل كجزء من ذاكرة سوريّة ولبنانيّة وعربيّة مشتركة.

ذاكرة لامرأة وُلدت في البحر، وعاشت للفنّ، وأحبّت الجبل، وتركت في كلّ محطّة أثراً يليق بالأميرة التي لم تمتلك وقتاً طويلاً، لكنّها امتلكت الكثير من الضوء.

عامر فؤاد عامر

جدل نيوز

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات

Amer Fouad Amer على أسمهان تفضح القصبجي